Saturday, January 24, 2015

لعنة الذل | الجزء الثاني من جين .. آيه طهر..!


ججين ..!
كانت تلك هي أولُ كلمة ألفظها بعد أن عادت الروحُ إلي .. !
لامستُ ذلك البياض الذي تغلغل بين أصابعي ..!
كنتُ أرقد فوق الكفن الذي لمّ يغطي رأسي بعد ..!
رأيتهم جميعاً يلبسونُ ذلك الكفن ويرتشفون القهوة ويطلعون على أوراق بيضاء أمامهم دون مبالاة بالجسد الراقد أمامهم ..!
لحظة ..!
تلك الورقة التي كنتُ أمسك بها .. أين هي ؟!
جيين ..!
أنا لستُ بين جيوب الكفن .. أنا أرقدُ في المشفى الذي كنتِ وفية له بينما هو غدر بكِ ..!
تلك الوجوه ليست غريبة علي أبداً ..!
رأيتها حينما كنتُ أجوب الغرف بحثاً عن وجهك الأبيض الملائكي .. وكانت كل الوجوه تنكرك يا جين ..!
غدرت بكِ تلك الوجوه التي عملتِ معها وتبسمتِ إليها .. نفرت من سيرتكِ تلك الأفواه التي تتسع لجمل بحاله ..!
تركتِ الأجساد التي داويتها ولم يعد هناك مريضٌ يأتي ليسأل عنكِ ..!
أصبحتِ ياجين جسد يرقد بين الأضرحة ..!
كم أفتقد ذلك الجسد الدافئ الذي أصبح بارداً لا ينبض ..!
أفتقده وبشدة ..!
***
في مدينة الظلام كُلنا رؤوس كُتبت عليها كلمة عهر ..!
لذلك أعذريني يا جين .. فقد عّدتُ إلى مقري وأفلامي وساديتي القليلة وصاحبي السادي الذي يحمل فايروس ( ج ).. ولم أعد أجد صوفي التي أعطتني أخر شيء تبقى منكِ ..!
الحياة يا جين هي رسالتكِ والمآكل والمشرب هما تلك الأفلام ..!
علمتُ يا جين أن اللعنة هي التي تستنزفُ الأرواح والأجساد .. لذلك مضيتُ خلف تلك الأجساد الرخيصة المتهالكة الدامية من الداخل أنتظرُ الرحمة التي ستأخذ روحي إلى السماء ..!
مضيتُ أرسم الأجساد عارية وأطبع عليها الأسعار المتفاوته ..! أصور صديقي وهو يستنزفُ الأجساد ويهتكُ حرمة البيوت ليجعل كل البيوت تتشرعُ أمامه أحتراماً لساديته ..!
البهائم العوراء تُفضل أن تبقى بعيدة عن سبيله حتى لا تُصبح ضريرة ..!
صديقي الذي يُعاني من التهاب الكبد الوبائي صار الأن يتقيء دماً ويتألم وكأنه لم يكن بالأمس يهتك حرمة البيوت وأعراض الفتيات والبياض ..!
صار اليوم مُجرد ذبابة تقتله الشمسُ الساطعة التي لم نعد نراها أبداً ..!
- أكرمني وأدفني حياً ..!
كنتُ أعرف رغبته العارمة في الموت .. لذلك لم أكرمه به .. 
- أكرمني وأطلب من ريا أن تسامحني ..!
حسنٌ يا صديقي يبدو أنك بدأت تشعرُ الأن بطعم الذل والمرض ..!
أنت مثلُ تلك البهائم السقيمة التي تقضم نفسها قرباناً للموت ..!
أقضم نفسك الأن فقد فعلت مافيه الكفاية يا صاحبي ..!
الموتُ هنا لا يأتي إلا بعد الأذلال وأنت فعلتُ كل مايذل جسدك وروحك وعافيتك لذلك أقضم نفسك فتلك هي النقطة الأخيرة لقطع حبل الحياة ..!
هيا .. أقضم جسدك ومزق ذاتك ..!
فلا حياة بعد هذا الذل يا صاحبي وصدقني سألحقُ بك ذات يوم وسأطمئنك بأنني أصبتُ بالفايروس ذاته أو ذلك الذي يُسمى ( HIV )..!
هذا ليس وداع ياصديقي .. سنلتقي قريباً ..!
قريباً جداً ..!
***
- ريا ..!
- لانعرفها ..!
بدأت أشعرُ بالعجز گ عجزي عن أنقاذك أو قتلك يا صاحبي ..!
من هي ريا تلك التي ربما قد تكون الأن ترقد في تلك الأضرحة المشؤومة .. ولكنك لست غبياً ساذجاً لتطلب مني أن أذهب وأطلب المغفرة من فتاة ميته..! لذلك سأتجاهلُ كل ذلك اليأس الذي يُسطر حياتي لأبحث عن شيء قد يشغلُ وقتي بعد رحيلك ورحيل جين وصوفي ..!
- جين .. ليتكِ الأن هنا .. !
هذه المدينةُ تُثقل كاهلي .!
بحثتُ فيها عن ذرة نور وخُيل إلي أنني وجدته ولكن سرعان ماتبدد ليرقد في مصيدة لا عودة منها ..!
في أضرحة هذه المدينة المشؤومة..!
حل الليل وكأنه لم يكن طوال اليوم أمامي يحاول أثبات أن هنالك لعنة ظلام حلت بمدينتي وأن النور ليس بقريب ..!
تمشيتُ كعادتي بين أرجاء الأضرحة والقليل من البيوت ..!
أغضُ البصر عن الأبواب التي تحطمت نخباً لوباء السادية والعنف ..!
أسد أنفي عن روائح الدماء المتراكمة والأجساد التي أراد أحدهم أن يُشعل النار فيها ولكنه نسي الولاعة في المنزل ..!
أحفظ قاعدة يا صاحبي .. في هذه المدينة لا أحد ينسى إلا من يعاني من مرض جنسي قاتل يجعله لا يبالي بأن يذهب إلى دورة المياة كلما شعر بأنه يريد ذلك ..!
لأن ذهابه إلى دورة المياة لن يُنقذ حياته ..!
ولن يُطيل من عمره ..!
لذلك أنت تجد اليوم لعنة الذل تتسرب من خلال فتحات الأبواب الضيقة لتقتل الأجساد السقيمة من وراء أبواب مقفولة بأحكام ..!
إلى أن ..!
إلى أن تشتعلُ الروائح لتكسر حاجز الصمت ..!
فتنقل الأجساد دون أن تُغسل إلى تلك الأضرحة ..!
أضرحة المدينة المشؤومة ..!
يا ترى أين ترقدين الأن يا جين ..؟
أتمنى أن يبقى المكان جواركِ خاوياً إلى أن يرقد جسدي هناك ..!
وياترى أين أنتِ يا ريا ..!
أين أنتِ ..!
***
- هّل تبحثُ عني ..؟
ظهر لي ذلك الكيان الهزيل من وراء أحد البيوت المُنتهكة بشعر طويل ووجه دَب فيه الظلام حتى أخفى ملامحه ..!
- ريا ..!
- نعم ..!
تنحنحت ثم قلت :  أريدُ أن أوصل لكِ رسالة ..!
- أعلم .. الرجلُ السادي صاحبك يريد أن ينقل إلي أسفه معك ..!
- كيف علمتِ ..!
وبخطوات باردة كبرودة هذه الليلة تتمشى بخصر يتمايل وضحكة تكاد تُجزم أنها صدرت منها ولكنك تشك أيضاً ولو بواحد من المئة أنها من صُنع خيالك ..!
- في هذه المدينة .. كل الأجساد عاهرة وكل العقول عارية ..!
- لم أفهم ..!
- الأجساد تقدم نفسها قرباناً للموت ، والعقول لاتجد مايسترها ..!
- إلا تفضلين العكس ..!
- العكس يعني أن نُنكر الواقع ..!
- حسنٌ أقتربي أكثر أريدُ أن أراكِ ..!
- هل تريدني ؟
- أخافُ على جسدي يا أمرأة ربما تكونين سقيمة وأنا لم أقتنع بعد بفكرة لعنة الذل .. أو بالمعنى لم يُصاب بها عقلي بعد ..!
- وأنا لا أقدمُ جسدي لأي رجل ..!
- وماذا عن صاحبي الذي يريدُ منكِ مسامحته .. وماذا عن هذا الجسدُ الهزيل الذي يبدو لي مائة بالمئة أنه سقيم ..!
- أنه الجوع .. رغيف الخبز أصبح حلماً الأن .. يبدو أن الأفلام التي تصنعها جعلتك لا تُفكر إلا بتلك الأشياء .. حسنٌ لو كنتَ تخشى المرض إلى هذا الحد لما تُمارس كل تلك الأمور التي تجعل بك ثغرات سهلة لتدخل منها الأمراض المُهلكة .. تزوج أنهم يحاولون الأن انتاج جيلاً خالي من المرض بالفحص قبل الزواج ..!
- كنتُ أريد ذلك ولكن من ظننتها ستبقى لي رقدت بين أضرحة هذه المدينة المشؤومة ..!
- من هي ؟!
- جين .. بالمناسبة كيف عرفتِ أنني صانع أفلام عهر ؟
- قلت لك الأجساد عاهرة والعقول عارية ..!
- حسنٌ .. هيا أقتربي أود أن أراكِ ..!
- رأيتني أم لم تراني لن تُحب ذلك فأنني لستُ بذلك الجمال المرغوب الذي يُحرض ساديتك نحوي ..!
- لستُ سادياً ..!
- كيف لي أن أصدقك والأفلام التي يكتظ بها منزلك تقول غير هذا ..؟
- أنني أكتب وأرسم وأصور الأفلام لأسكت الأفواه الجائعة والعقول الخبيثة عن حرق مقري كما أحرقوا ذلك المشفى ، فأن كانت هناك لعنة تُعيد تشييد المشفى إلى ماكان عليه ، فلا ينطبقُ ذلك على مقري .!
- كم أرغبُ برؤية ذلك المقر الذي يكتظُ بالصرخات وألوان الأجساد وأسعارها ..!
- تتحدثين كأنك رجل ..!
- ههههه أنتم تُسمعوننا هذا كلما ألتقيم بنا في هذه اللحظة ، لذلك صرنا نحفظ حديثكم عن ظهر قلب ..!
- هذا أكبر دليل على أن جسدكِ لعبة تلاعبت به أصابع كثيرة ..!
أقتربت أكثر ولمحتُ ذلك الشيء الذي وضعته في منتصف شفتي ثم قالت : اشششش ..!
رائحته البيرة قاسية مع هذا البرد جداً ..!
- لنذهب إلى مقرك الأن ..!
هذا أمر وحفاظاً على سلامتي يجبُ أن أطيعه فأنني لستُ كذلك السادي المتعايش مع الفايروس (ج) أقتل من يعترض طريقي بطرف أصبعي ..!
- حسنٌ ..!
تمسكت بي وشعرتُ بالبرودة تتسلل إلى جسدي ..!
شعرتُ بالنفور من تلك الأنامل التي تآكلت وتورمت وتهالكت ..!
شعرتُ بالتعب والرغبة في التوقف عن هذه اللعبة ولكنني لم أشعر بذلك إلا حينما توقفت أمام مقري ..!
- أنتِ تعرفين أين مقري اذاً ..!
- وأراقبه منذ فترة ..!
- لما ..؟!
- هيا لندخل ..!
شعرتُ برغبة عارمة في الصمود في مكاني دون حراك ..!
تلك المرأة تعرف كل شيء وتمنعني من رؤية تفاصيل وجهها ..!
هل يُعقل أن تكون ..!
- هيا يا رين ..!
- جين .. أنتِ جين ..!
اقتربت منها لأنظر إلى ذلك الوجه الذي يتمنع عن النظر إلي .. أخذت أناملي طريقها لتبحث بين ذلك الشعر المنسدل على وجهها عن أنفها وشفتيها وعينيها ولكنها أبعدتني ..!
- أدخل الأن لا أريد أن يراني أحد ..!
- تعرفين جيداً أن هذا ليس عذر فليس هناك أحد هنا يُحب المراقبة .. فلاشيء ممنوع ولا شيء مرغوب كل شيء يُمارس هنا سواء ممنوع أم مرغوب أم قاتل ..!
- ستجد ماتريد في الداخل ..!
- هيا كم أنا متشوق ..!
***
واعجباه على حسنكِ واعجباه ..!
كتبتُ إليك الشعر فصار الشعر تراب واعجباه ..!
يتميلُ خصرك كتمايلُ الموج  واعجباه ..!
وترتسمُ على شفتيك ضحكة لعوب واعجباه..!
- جميل لست شاعر سيء .. ولكن هل أحببتني إلى هذه الدرجة فأنا لست جين ولم اسلم لك بياضي بعد ؟! 
- أحببتك ماعدا تلك الرائحة المُنبعثة من فمكِ ..!
- ذكرتني أريدُ بيرة ..!
- حسنٌ سنشرب ونلعب ..!
- اللعبة لن تدوم إلا دقيقة ..!
- لما ؟!
- لن تحتمل قسوة اللعبة يا رين ..!
- حسنٌ سنرى من الذي لن يحتمل ..!
- سترى ..!
***
وأقدمتُ على رؤية مارأيت حتى فقدتُ الرغبة فيما رغبت ..!
***
تراجعتُ مُنبهراً نافراً غير مُتصور لما رأيت ..!
- هل رأيت قلت لك اللعبة لن تدوم إلا لدقيقة ..!
رددت في غصب كاد أن يُزلزل مكاني : من أنت ..؟! 
- ريا ..!
- قلتُ من أنت ؟!
- ريا ..!
- تتلاعب بي أيها الكائن الغريب فأنني لم أجد مثل هذا ال...!
- لما أنت مُتعجب ، إلا ترغب ب اثنين في واحد ..!
- شاذ وقح أغرب عن وجهي ..!
- تقول شاذ اذاً أنت تعرف ما بي ..!
- كل ما أعرفه أنك تختلفُ عنا وهذا يعني أنك شاذ وأنك جسد سيعلنُ ثورة قريباً وقد تنتهي وأمثالك المختبئين أمام ساحة المشفى حرقاً ..!
- سأعلن الثورة هنا والأن ، دعك من أمري قد أكون شاذاً ولكننا كُثر ، والسبب في جهلك هو قلة خبرتك في الأجساد يا رجل ..!
رائحة النفور كادت أن تزلزل جدران منزلي .. 
هل هذه هي لعنة الذل  ..!
ولماذا يطلبُ صاحبي منه السماح ..!
- لم تعلم بعد لماذا طلب صاحبك مني السماح ..!
- لا أريد ولا أرغب في ذلك أغرب عن وجهي وإلا ..!
- الأمر مُتعلق بجين ..!
- ماذا ... جين !
***
 المطر لا يغسلُ العار ..!
المطر لا يستر العقول العارية ولا يُطهر الأجساد العاهرة ..!
المطر لا ينزل على هذه المدينة أصلاً ..!
وقعتُ في حّب المطر إلى أن هُدر دمه وانسكب في الأضرحة .. وجاء من يدعي أنه قريبكِ ياجين ليتخلص من ذلك السادي المُتعايش مع فايروس ( ج ) الذي أفقدكِ بياضكِ ..!
هي لعنة ذل مميزة جداً ..!
صديقك يكون السبب في انتحار حبيبتك ..!
ثم يأتي أخيها لُعطيك رسالة أخرى أخفتها عنك صوفي لسبب ما .. ويدلف راحلاً دون الأفصاح عن سر مساحيق التجميل الرخيصة التي تلون وجهه المُقزز ..!
لابأس لا احتاج إلى ذلك ..!
أنا أريدُ فقط أن أقرأ هذه الرسالة قبل أن أدلف إلى مصيري هناك بين جيوب الأضرحة ..!
فقد بدأت أستلطف فكرة لعنة الذل بعض الشيء ، لأقدم جسدي قرباناً للموت ..!
وأتخلص من العار الذي يسكنني للأبد ..!
وأرقدُ بسلام بجانبكِ يا جين ..!
إلى الأبد ..!
***
أخي جون ..!
 أتمنى أن تتخلص من مساحيق التجميل تلك فأنك أجمل من دون مساحيق .. أرجوك أتمنى أن أرى أطفالك يا أخي .. أتمنى أن تزول كل آلام الأجساد العالقة في لعنة هذه المدينة وأتمنى أن تختفي لعنة الذل من البيوت والعقول ..!
فلا يحقُ للمدينة أن تنال لذة هلاك الأجساد ، بل يجب أن تُهلك الأجساد تلك اللعنة للأبد حتى ترى العيون النور ..!
رين صوفي وجون أنتم تلك الثغرة المؤدية إلى النور أرجوكم كونوا تلك الثغرة حتى ترى مدينتي النور ..!
لا تخذلوا روحي أبداً ولاتنسوا جسدي الراقد بين الأضرحة فانني لن أنساكم أبداً ..!
***
جين ..!
عادت أحرفك لتداعب الظلام الذي يسكن صدري وتجعله يضحك قليلاً .. فيتبدد ليُفصح عن حبك القابع بي ..!
جين لا أعلم أمر أخيك الشاذ ولكنني أعلم أنه يستحق اللعنة كما أستحقها وصوفي أيضاً ..!
نحنُ لن نكون السبب وراء اختفاء لعنة الذل ..!
أعذريني يا جين ..!
فأجسادنا أصبحت تستلطف الموت كثيراً ..!
وأرواحنا أيضاً ..!

#وميض
تويتر : geneourla



No comments:

Post a Comment