Saturday, April 1, 2017

رسالة إلى كاتي..من كائن عشوائي +18


عزيزتي كاترينا الجميلة جداً .
أنني أعتذر لأنني أكتب هذه الرسالة التي تحمل إليك هذا الخبر الذي أخفيته عن ملامحك الجميلة تلك ، وغابة عيناك الخضراء المُطرزة بالجاذبية ، إن تلك الجاذبية تنتشل أضلعي إليك ، شعرك المُجعد المذهب بأشعة الشمس ، أنك مغرية جداً ..وأنا الأن بكامل قواي العقلية  أكتب إليك خبر إستيائي من روحي .. فقد ركنت النبيذ الباهض الثمن الذي أهديتني أياه وسجائري الرخيصة جداً جانباً لأكتب إليك ما أحمل في جعبتي عن تلك الليلة التي كانت بكماء في حُجرتك.. لم  يكن هناك أحد يتحدث سوى مُكيف الهواء ، كان يصدر ذلك الصوت الرتيب الذي أرعب الصمت فيّ لحظتها ، كنت أخاف من إنقضاء الوقت ونحن على هذا الحال من الصمت الذي دوى صراخه في الأرجاء ، كان رناناً ومزعجاً .. ولكنني قررت كسر أنفه  ، قررت أن أتكلم معك ولكن بلغة أخرى ، لغة الأعضاء ، تغلبت على حيائي وتغلبت عليكِ ، ولكن ذلك النصر لم يبقى أثره طويلاً ..
عزيزتي التي أظن بأنها مخلصة جداً لي .. كاترينا ، لا أدري لما سألتك عن أسمك حينما كُنت ثائراً معك على أرض الحميمية ، لا أدري لما لم أخبرك بأنك جميلة أو على الأقل ابتسم لك وأنت في هذا المظهر الذي يترفني رغبة فوق رغبة بك ، تذكرتُ شيئاً واحداً في تلك اللحظة وقبل أن تسلخيني عني ، تذكرت تأوهات والدتي وسادية والدي التي كُنت أحاول تفسيرها حينما كنت صغيراً ..عندما شاهدت فعلتهم عن دون قصد والتي كانت في ذلك الوقت شنيعة جداً بالنسبة لي، أما الأن فأنا لا أعرف كيف تبدو السادية بالنسبة لي ، جميلة أم مخزية ..؟  كل ما أعرفه هو بأنني عندما كبرت صفقت لنفسي بعد أن وجدت أخيراً تفسيراً لتساؤل من شجرة التساؤلات الساكنة في رأسي ، ماهية الشيء اللذان كانا يفعلانه ؟ ..بالمناسبة  أنا يا كاترينا أنجبتني والدتي كائناً عشوائياً جدا ، أملك طابع الحُزن منذ الصغر حتى عندما كانت ملامحي تنضج  وشاربي يبزغ ، كُنت دائماً عبوس، لم أذهب إلى الحلاق يوماً لأهذب لحيتي ، حتى أنني كُنت أكره صوت ماكينة الحلاقة الخاصة بأبي ، لذلك لم أشتري واحدة أبداً ، كنت أشتري الأقلام والأوراق بدلاً عنها ببضعة دولارات كنت أسرقها من جارتنا العجوز العمياء تلك ، حينما كانت تسألني عن عدد الدولارات التي بحوزتها لأكتب ما أشاهده في غرفة نوم أمي .. بكلمات طفولية جداً .. لم تشمل السادية أو حتى المازوخية التي كان جسد والدتي البدين الممتلئ بالندوب الزرقاء والبنفسجية والحمراء يغطس فيها ، كنت أشاهدها دائماً عندما كانت تقف أمام المرآة الوحيدة في منزل والدي لتتغزل في جسدها المُهان ثم تربت على روحها بقبلات تطبعها بفمها المزموم جداً على زجاج المرآة بكل فرح ، عموماً فليغفرالرب لي ولها على كل حال ..
حبيبتي أنا أرغب فيكِ كما أنني أرغب في الرحيل عنكِ للأبد ، تلك الليلة ال .. لن أقول حمراء لن أكون مُملاً لن أكتب كلماتٌ متوقعة سأحاول أن أخطف إنتباهك وأجعلك على الأقل تعملين حساب لرحيلي ، لا أدري إن كُنت أهمكِ أصلاً ولكن كل ما أعلمه هو بأن تفاصيلك تهمني .. سأدس هذه الرسالة أسفل قنينة الحليب التي ستكون  مركونة جانب بابك الخشبي ذاك ، فقد كانت في أثناء لحظة ولوجنا معاً إلى دارك تلعق منها قطتك السوداء المدللة عن قصد  أنا لا أعرف كيف تمكنت من فتح الغطاء ، هل أنت من قمتِ بفعل ذلك ؟ هل أنت من قمت بوضع تلك القطعة من الحجر لتتمكن القطة من الأرتفاع إلى فوهة قنينة الحليب الخاصة بك..  هل أستغنيتِ عن ذلك الحليب الطازج بكل سهولة ، تباً لتلك القطة ولكِ أيضاً ، بالمناسبة أنا أمقت القطط .. خاصة قطتك اللعينة تلك التي شاهدتها مرة واحدة ولم أركز في تفاصيلها التي أعتقد بأنها قميئة ، أنا لا أتذكر سوى لونها وصوت موائها الغليظ، لأنني كُنت مشغولاً وقتها بلحظاتنا القادمة ، مشغول بما سيحدث حينما ندخل هذه الغرفة التي أتذكر شعوري بالتفصيل حينما وقفت عند بابها .. قبل أن تسحبيني  بأناملك الناعمة تلك فقد سحبتي روحي قبل جسدي. قطتك كانت تموء وقتها حينما هممت في أغلاق الباب ، لقد أزعجت الترقب في ، الترقب لما سيحدث حينما أدرتِ وجهك تجاهي ،  تباً لها ،  كم أود ركلها ، لأنها دائماً ستجد شيء من رائحة أصابعك التي ماتزال تعانق جبيني ووجنتي الناحلتين في فوهة تلك القنينة ، أنني أمقتها وأمقت قنينة الحليب ، كذلك أمقت شعوري بأنك لستِ هنا إلى جانبي ، أنت أنسلختِ عني  ولا أعرف إلى أين ركضت بروحك الدافئة تلك ..هل أنا السبب أم أنتِ ؟ أنا الراحل المنسلخ عنكِ أم أنك أنت الراحلة المنسلخة عني ، ياألهي أحتاج إلى سيجار وكوب من الخمر الأن ولكن الخطى إلى بقايا المنضدة تلك القابعة في منتصف الغرفة " الصغيرة جداً " والتي تضم أمتعتي المتواضعة من زجاجة خمرك الباهظ الثمن ، سيجاري الرخيص جداً ومحفظة فارغة من المال ومملؤة بأوراق فواتير تزهق الروح .. أنا  لا أعلم من منا الجاني هنا ، أو قد أكون أعلم ولكنني أفضل أن أدعي بأنني لا أعلم ، حتى أمنح نفسي الفرصة كي أسخطك أحياناً وأسبك هنا رُغم أنني في هذا الأمر أصبح جلاداً صارماً قاسي القلب ، يمقت تزوير الجمال بالكلمات البذيئة ، أنا لا أسبك ، أنا أخسأ أن أفعل هذا ! ولكنني سأرحل عنك وتساؤلات كثيرة تأكل رأسي .. لماذا لم أترك لك رقم هاتفي في تلك الليلة ؟ كانت تلك الورقة البيضاء والقلم الذي يسكن إلى جانبها فوق تسريحتك أقرب إلي من بابك الخشبي ..  لماذا لم أقل لك وداعاً على الأقل أو بأنني سأعود إليك في يوم ما ، لهذا لا تغلقي بابك ..
بالمناسبة أنا مرتاح نوعاً ما لأنني لمحت بريق إهتمام وسط عينيك حينما أستيقظتِ لتجدينني أحزم أمتعتي المتواضعة تلك والتي أخبرتك عنها لأرحل إلى الفراغ  ، أنا لا أملك بيت يأوي روحي ، هذه الغرفة الصغيرة في مُنتصف المدينة لا تتسع لجسدي وروحي معاً ، لهذا أنا أركن روحي دائماً بالقرب من عربتي البالية المليئة بسباب وبصاق القطط واستياء الطيور لأخترق العزلة بجسد مقرور وملتهب جداً ، أنا لا أريد أن أغسل تلك العربة السخيفة ، أنا لا أملك ماء كافياً كي أغسلها ثم أن الحزين ليس لديه وقت لفعل ذلك.. أترك الغبار والوسخ ينام فوق كومة المعدن هذا وأهمل روحي هُناك لتعانق العربة فتكون أكثر رغبة بملاقاه الإنطفاء ، الروح يا عزيزتي تُشبه البخار الحار جداً .. الذي يتصاعد من فوهة الغلاية ثم يتقلص بإنغلاق الزر .. فيكتئب وينتحر بالغرق في قعر أكواب الشاي ،  فلا يبقى هُناك شيء فوق تلك الأكواب سوى وصايا البخار التي أخذت شكل الرطوبة على حواف الأكواب .. أنا لا أخفي عليك بأنني أريد أن أراكِ مُجدداً قبل حلول السيد الموت المعتبر ، أنت لا تعرفين بأنه يقف على رأسي دائماً حتى في تلك الليلة التي كُنا فيها نتسامر بأعضائنا ، يقف بكيانه الرمادي ليبتسم تلك الإبتسامة التي أميزها رغم إنعدام ملامحها ، يبتسم بطغيان منتظراً مني الخضوع  لعبثه، أنا أشعر به يا فاتنة كما كنت أشعر بك في تلك الليلة ، وحتى لا أنسى أنا أعلم يا صغيرتي السمراء بأنك ظننتي أن لونه أسود ولكنني الأن أعطيك دليلاً أخر على تمكني من التغلب على توقعاتك ، هل أستحق أن تركعي لي لتطلبي مني البقاء ؟ لا لا تركعي !! فاليغفر الرب لي ..
كاترينا حبيبتي ، أنا أكتشفت الأن بأنني لا أعرف شيء عنك سوى أسمك وشكل المكان الذي تسكنين فيه ، أنا لم أتحدث إليك ، لم أسألك عن سنك ، عن تاريخ  ميلادك وعن أخر كتاب قرأته ، هل أنت من عشاق باولو كويلو أم ميلان كونديرا وإن كان حظي أكثر بؤساً ستكونين من عشاق ألبير كامو – مثلي تماماً – ، عموماً أنا كُنت قارئاً نهماً في زمنٍ ما فات أما الأن فأصبحت لا أقرأ إلا ملامح عبوس روحي وتفاصيل افتقاري إلى أكسجين الحياة .. صدقيني أنا لست بمارسو بطل تلك الرواية البديعة جداً ، لست الغريب .. ولكنني حينما قرأتها في ذلك الوقت وعرفت بأن هناك دائماً حكم ! ينتظر المرء في نهاية المطاف قررت أن أحكم على نفسي بدلاً عن المحكمة البشرية أو الآلهية  بالإعدام .. قررت أن أوافق على لعب الغميضة مع السيد الموت المعتبر والخضوع إلى المقصلة أو حبل المشنقة .. أو أي سبيل أخر للتخلص من خلود هذا البؤس في ، مارسو كان يُعاني منه .. وأعتقد بأنني أشبه في ذلك ولكنني لست الغريب في النهاية ، أتعرفين .. تلك العقدة الباردة التي تقشعر لها الأرواح أشعر بها أقرب إلي من حبل الوريد.. يا ألهي أنني أشعر بها حقاً ،  أنها باردة تشل حيوية عنقي ، أنها  يدي اليُسرى تتلوى كأفعى عاهرة ..  تحاول منعي من إكمال الكتابة إليك، تحاول خنفي ، أنا لستُ أعسراً بالمُناسبة ، ولكنني تمنيت أن أكون كذلك ، على الأقل سأحظى بالقليل من أهتمامك ، ولكن ذلك لم يعد مهماً..فأنني راحل لا محالة ،  فليسامحني الرب..
كاترينا أيتها العابرة الثقيلة الوزن في روحي ، لا أعلم لما منحت نفسي قبول إستدراجك ولكنني لستُ نادماً بالمُناسبة ، ربما لأن غابة عيناك كانت جميلة إلى حدٍ لا يُمكنني السيطرة على رغبتي في تسلق أشجارها المخملية ، لستُ طرزان ولكنني  متيم بك كما كان هو متيم بجين ، قرأت قصته في كتاب أطفال قديم مهترئ وهأنذا أسترجع سطور شغفه بها واشتهائه لها ، كاترينا ، أنني أشتهيك الأن كما أشتهيتكِ في تلك اللحظة.. وأرغب بك كما أرغب بالرحيل عنك .. المجد للرب.. أنا هنا على هذه الأرض لأمنح نفسي الإنهيار في كُل وقت ، خلقت لأنهار ، والإنهيار يسحقك إلى كائن يهوى السقوط في مجرى الموت بأي شكل كان ، نعم.. أنني منهار بالأجمال ولم أدرك بأن عملية الإنسحاق هذه تراكمية ، فقد حدث  هذا منذ صغري .. حينما كان اللون الرمادي الفاتح فيّ ينقلب إلى لون الفحم ، بالمناسبة .. أنا لم أقل أسوداً فلا تحاولي أن تتوقعي اللون الذي سأختاره في المره القادمة إن توجب لي أختيار لون .هل تعرفين لما أنت ثقيلة في روحي حتى أكاد أختنق بك كأختناقي بسيد الموت المعتبر ، لأنك سلختني كما فعل، أنا متأكد بأنني كُنت متوجهاً برغبة  من الرب " إليك" لكي يقتلني أخيراً  عن سبق أصرار وترصد ، ولكنك أنت لم تكوني قاصدة فعل ذلك، أنت تشبهيني كثيراً ، أنا لم أكن أقصد أموراً كثيراً ولكنها تحدث رغماً عني ، صدقيني.
حبيبتي .. أنني أراها بوضوح الأن أمامي .. أرى تلك الندبة التي قتلتني ، وجمدت الدماء في عروقي لوهلة ثم عادت الأمور الحميمية كما كانت مرفقة بالشعور بالذنب والسخط ، هي نُدبة بهيئة صليب ! المجد للرب قبل كل حرف ساخط ، صليب ماثل أسفل نهديك الممتلئين بالحيوية والشامات ، صليب واقع بين سماءين سمراوين بلون البندق..! تتناثر في تفاصيلهما نجوم سوداء سرمدية .. أعتقد بأنه سقط في جسدك بطريقة لا عشوائي، كبقايا نيزك متمرد ترسب إلى غلافك الأسمر ليرهبني ، لأنه يدرك بأنني قادم إلى جسدك .. ذلك الصليب  المُؤطر بلون غامق يشبه لون حلمتيك ، هو بارز ككومة سخط ، لامع أسفل ضوء الرب ، تحسسته فوجدتني أتحسس آلامي الدفينة والتي أستيقظت للتو ، هو لا ينقشع .. ولا يُمكنني أن أفعل ذلك .. لأنه يخيفني يا كاترينا .. يجعلني أتصلب رغم ثورة بركاني .. أتخشب فتذيبني حمم الرغبة بك ، أحترق من الداخل لأنصهر على عورتي ، عاري وبؤسي ، أقترب والخوف فيّ يقترب .. أننا متناظران .. أنا وذلك الخوف الذي يرتديني كبذله بالية لا تسمن ولا تحمي .. أغدو إلى نهديك فأتحسس الآله في ذلك الصليب ثم أتراجع مدنياً الرأس له ، أنه يسكن سقف حجرتك الزهري ، ذلك الرب الذي سخطني بلعنات تأتي تباعاً من مساماتك وشاماتك الكبيرة لتصيب روحي بطلقات الموت الحميم ، لحظة ، أعتقد بأن ذلك الصليب يحمل تاريخً .. تاريخ يخصني جداً ، أنه تاريخ يؤرخ شعوري بالذنب والسخط ، بالمناسبة ذلك الصليب .. أنه لا يستلطفني أبداً بخلاف نهديك .. أنني أحبهما بعنف ولكنني أحياناً أرجع عن العنف ظناً مني بأنني أستطيع أن أخلص للإله الذي يكبتني ، غفرانك أيها الرب.
أنا أكتب إليك الأن وأنا أتذكر حينما كنت عارٍ تماماً من ثيابي المهترئة تلك ، هل يصح بأن أطلق عليها ثياب أم مُجرد خرقة بالية ، هذا لا يهم .. لا يهم أبداً..

كان سروالي  بنيا مخططاً وممزقاً في بعض الأتجاهات بطريقة عشوائية جداً تشبه عشوائيتي .. ولكنني رغم اليأس الذي كان يحيط بي حاولت أن أكون أمامك شخص محترم يرتدي ملابس غير ممزقة .. ومن حسن حظي بأنك لم تلحظي الخيوط البارزة من الخرقة التي كنت أرتديها .. أو.. ربما قد لاحظتها ولكنك تجاهلتها فقط لأنك كنت بحاجة إلى من يطفئ شمعة رغبتك في تلك اللحظة ، المهم هو بأنني حاولت أن أثني تلك التمزقات وأن ألصقها ببقايا علك كنتِ قد بصقته قبل أن تدخلي إلى دارك .. وقد فعلت ذلك بغفلة منك ..الحمد للرب...بالمناسبة كان ذلك اللون البني في سروالي يشابه لون وحل روحي وقميصي الأخضر أو بقايا قميص إن صح التعبير كان لونه يشابه لون مخاط أنفي اللزج الذي كنت أتسلى بلعقة بين الأزقة الضيقة جداً وفي أشد الأوقات حزناً وبؤساً .. لا تكوني سخيفة ، أنا أعرف بأن طعمه مالح ولكنه مقبول نوعاً ما ويمكنك لعقه .. أنا أعتدت على فعل ذلك حتى بدا الأمر بالنسبة لي أشبه بالفروض التي لا أؤديها في العادة .. ولكن لعق المخاط  كان فرضي الأوحد والذي كنت ومازلت أؤديه بأخلاص تام..  هل تعلمين بأنني كنت أبكي كثيراً في صغري ، عندما كنت أشاهد والدي السادي جداً وهو يغير خرائط أجساد الدمى التي كانت تبتاعها لي والدتي بكل حب .. من المال الذي تجنيه عن طريق بيع القناني الفارغة ، كانت تلك الدمى رخيصة جداً وأحيانا لا أجد في أحدى أجزائها حشوات كي تجعلها ممتلئه لهذا كنت أجد أحياناً صعوبة في أحتضانها ، ولكنني رغم كل ذلك كنت أحبها وبشغف ، ووالدي كان يحب العبث بذلك الحب ليحوله إلى متلازمة خوف شنيع يسكن فيّ ، كان يفعل ذلك بخيط أزرق وأبره مسنونة بعناية ، كان يحب أن يستبدل أماكن الأطراف فيخيط اليد في مكان القدم ويخيط القدم في مكان اليد ، أنه كان سادي مقزز فعلاً ولو كُنت في ذلك الوقت أعرف بأن ما كان يقدم عليه عبارة عن لون من ألوان  السادية لقلت له بأنك يا جورج أكبر سادي وتافه وأنا أكرهك بالأجمال ، ولكنني لم أقل ذلك لأنني فعلت ماهو أشنع ، فقد طبقت ماكان يفعله جورج بالدمى على جسده الذي أذكر حينها بأنه كان مكسواً بالشعر الأحمر وقبيح جداً ، بالمناسبة .. انا أملك شعراً أشقر وهذا لا يهم ، المهم هو بأنني قد فعلت ذلك حينما بلغت سن الخامسة عشر ، وأنا الأن في العقد الرابع من عمري يائس بائس مُذنب ومرتاح قليلاً  لأنني أكتب لك .. على كل حال تلك الدمى لم تكن مازوخية كروري ، أعني والدتي البدينة والرائعة جداً .. هي ستبقى رائعة رغم هوسها بتلقي الإهانة ،أنا لم أفقد إيماني بأنها كذلك حتى عندما ماتت بطاعون دنيء قتل بريق عينيها ولكنه لم يطفئ ألوان الندوب في جسدها ..
أتعرفين يا كاترينا ، أنا صحيح بأنني قتلته ولكنني على الأقل كنت حزيناً وقتها ، لم أكن كمارسو أبداً .. ذلك المخلوق النزق الذي قتل الرجل العربي ذاك بدم بارد ؛ أطلق عليه طلقة أردته قتيلاً ثم أضاف أربع طلقات دون سبب يذكر ، ولم يعر ذلك أهتمام أبداً حتى إنه لم يجد تفسيراً لما فعله ولم يفيد المحامي الخاص به بالأسباب التي جعلته يرخص بأربع طلقات في جثة هامدة ، دعكَ من كل ذلك العبث ، وأنتبهي جيداً إلى ما سأقوله لك الأن ..
 أنا رغم الحزن والبؤس الذي خيما علي فجأه بعد أن قتلت جورج ، لم يعر الرب مشاعري أي إهتمام فقد مسخني إلى كائن اشد حزناً وإنزواء ، وأنا أتحدث كثيراً عن السخط والإنمساخ  لأن هذا ما أشعر به ، السخط والإنمساخ ولا شيء سواهم ، هم يحيطون بي في أرجاء هذه الغرفة الضيقة جداً ، أنها تتسع لهم ولجسدي فقط ولتلك المنضدة في المنتصف الضيق ، ولا تسأليني كيف أكتب أنا إليك الأن ، أنني أجلس القرفصاء على الكرسي الوحيد في هذه اللاغرفة ؛ أنها تشبه جحر فأر كبير سكير ، يملك أربع أطراف حمراء ويقف على رجليه النحيفان جداً بعناء خانق في هذا الجحر، حزنه أطول من هذا السقف العاري ، يكتب بحبر إكتئابه الحروف لك والرطوبة تحيط بفرائه النتن .. أنفاسه وسخة كروحه المركونه في العراء، يكتب وهو بائس وحزين ينتظر الفأر الأخر ليظهر له من أي ركن ضيق هنا لينتشله إلى الخلود في الموت .. الموت شيء خالد يا عزيزتي ، يعطيك مجالا كي تنعمي باللاشيء ثم يأخذك إليه أخيراً لتتنفس روحك المختنقة الصعداء بشكل بائس ، سألاقي الرب وقد أُعذب لأصبح مجرد جيفة من الجحيم..
عزيزتي كاترينا الطيبة جداً .. أنا لا أردي كيف لهم أن يكونوا أنحف من روحي .. السخط والإنمساخ .. هما رغم ثقل وطئتهم على صدري ، إلا أنهم يسكنون معي هنا في هذا العبث البائس..  يتناولون الطعام المعلب الفاتر معي ويستحمون في الماء البارد أيضاً معي ولكنهم رغم ذلك يبقون ساخنون ليحرقوني ويلتهموني من الداخل والخارج- دونما روحي- لأنها هناك تضحك على إحتضاري في الخارج كشيطان أهوج يطرق الأرض بقدميه مبتسماً منتصراً يتجرع الخمر نخب وساخته والشبق الذي تشربه من عروق ذلك المعدن الصدئ ..
أنني أعاني منهم جميعاً  يا حبيبتي كما أعاني منك ولكنك تبقين رُغم كل شيء أجمل معاناة يا كاترينا .. ولكن الرحيل واجب علي ..كي أحميك من اشياء كثيرة .. تمني أن يغفر الرب لروحي ، تمني أن ألاقيه وأجد على وجهه إبتسامة غفران ..وأن لا يحولني إلى جيفة من الجحيم .. تمني ذلك من أجلي وقبليني خفية بينك وبين ذاتك ، وأنتظري حتى تصل إلي ثم أطلبي العفو عنها وأعتبريها بتلة زهرة حمراء سقطت سهواً على شفتي عابر بالخطأ من جوف رطب مُكتنز  ..
الآله يا كاترينا لعنني كثيراً ، حتى أصبحت متيقناً بأنني الشيطان المقيت الملعون وليست روحي .. شيطان في هيئة يقال عنها بأنها هيئة إنسان ، أنا لستُ إنسان أنا مخلوق مثيولوجي بشع المظهر ، له قرن في منتصف رأسه وذيل  بلا شعر يهذب من شكله ، أنا أحمر ، انا لست كما تظنين أنني بلا أطراف وأحياناً أجد أن ذلك الأمر لطيف ، لأن الشيء حينما تعتادين عليه يُصبح لطيفاً  جداً كأعتيادي على الأستحمام في الماء البارد ذاك ، ولكنني رغم ذلك يا كاترينا أنا خائف ، خائف مني .. خائف وراغب .. جبل الشهوة يشهق في لأنه يتذكر لعاب أرضك الذي يرحب بي .. أتعرفين أنك لو كنت حزينة الأن لأنك تفتقدينني وبشدة وتقررين لوي ذراعي بالطفل  ستلوين ذراع نفسك ، لأن ذلك الطفل أو- إن كان حظك بائساً مثلي - التوأم اللذان سيكونان مني سيحملان البؤس في جيناتهم وستكونين أنت أيضا بائسة ، ولكنني حتى أكون إنساناً منصفاً سأقول بأن رحمكِ كان البيت لروحي المذنبة ووسخها ، كُنت لطيفة وأنت تهذبينها بطريقتك الخاصة وأنا لم أكن أعي ما يحدث ،ورغم فشلك في ذلك إلا أنك مشكورة على حنانك ، انت كنت ماكرة وحنونة وأنا كنت متيم بك خاضعاً للرغبة وللخوف .. أنت مخلصة لبؤسي وصمتي .. لم تتحدثي كُنتي تشعلي السيجار وتناوليني النبيذ ..وتطوقي عنقي بساعديك المعطران بالرغبة ..تقربي أنفك وفمك من وجهي لتلعقي أنفي بلسانك الذي ما يزال يحمل في لعابه رائحة ذلك العلك ..فتتفتح مساماتي التي كانت مسدوده كزهرة وحيدة وسط صخر في منتصف الصيف .. كنت تمارسي لعبتك بدقة .. كنت أكثر براعة من السيد الموت المعتبر ولكن .. كل شيء حدث في تلك الليلة كان بلغة الصمت .. كنت تعرفين ما أريد ، كنت تفهمينني جيداً ،  اذاً..  لا داعي لخلق أحاجي الألوان ، أنتِ أذكى مما أتصور وأنا لستُ حزيناً على تلك النطفة البائسة لأنها ستعرف كيف تحب الحياة في رحمكِ ، أنت جنة بالفعل يا كاترينا. ولكنني مصرٌ على الرحيل..
كاترينا ..إن كنت فعلاً حاملاً بطفلي أعتقد الأن بأنني سأكون راضٍ وسيرقد الغرور في صدري بأمان ، فلن ينالك أحد بعدي وإن حدث ذلك سيكون هناك دائماً دليل على تلك الليلة التي كانت بيني وبينك، كائن قد يحمل شيء من ملامحي يسكن بالقرب منك ، يصرخ ، يأكل ويتبرز ، كائن حي يذكرك بي .. وإن كنتي سيئة وتنوين التخلص منه سواء كان قبل أو بعد الولادة  فأنت على الأقل ستتحملين ذنب أستدراجك لي وستلعنينني لحظة ولادتك أو حينما يسيطر عليك ألم الإجهاض ، أنت يا كاترينا ستتألمين في كلا الحالات ، وقد ترجعين عن قرارك حينما تحملينه بين يديك قبل أن يُقطع الحبل السري بينك وبينه ، قد تغيرين رأيك لأنه سيذكرك بتلك الليلة الشبقة ، وستحتفظين به كدليل على وجود أمسية لا تنسى في حياتك .. ثم أنني لا أريد منك أن تسألينني عن معرفتي بكل تلك الأمور لأن الرجل الذي يعيش وسط الأزقة .. يعرف كل شيء .
المجد للرب قبل كل شيء ثم أنني خائف ، الخوف يغني في مجدداً بصوت عالي، يداهمني من يمين وشمال نفسي ، البركان يحتدم في ، الأمان حيوان معوز يشحذ النور الضئيل الذي أوشك على الإنطفاء في داخلي ، خطيئة القتل العمد تطفئه بأطراف أصابعها المسجاة باللزوجة .. أنها للعبة دنيئة ..
 هذه الأرض.. الأرض الطيبة جداً .. التي تتحمل فضلات شهواتنا وذنوبنا وبؤسنا ليست كروية ونحن أيضاً لسنا كذلك لا نستطيع ان نتدحرج بعيداً عن أوساخنا أو نركلها إلى الفضاء الخارجي هي بيضاوية ونحن نأخذ شكل المربع بطريقة ما .. مربع لا يعرف سوى أن يقف .. لا يُمكنه أن يركض بعيداً عن النار ، أننا نحترق  أننا مجرد مربعات تسقط فضلات وتحترق ..
أنني مربع خائف وراغب ، ورغم شدة احتدام الخوف في إلا أنني  أحب أن أمنح نفسي لحظات من الهدوء الحلو المذاق بعيداً عن ذلك الطعم المر في حلقي .. لأتذكرك كلما وضعت القلم خلف أذني اليمنى وأسندت مرفقاي على ركبتاي لأرخي رأسي بين أصابعي المتشابكة .. أحب أن أتذكر سعال أرضك الرطبة بمطر الرغبة ، فتتفجر أسارير شهيتي ، أحاول لوي ذراع جلاد الآله وأنا أتخيلك الأن عارية من الثياب والندبة ، لأكتب كل تفاصيلك السمراء بنهم ، أكتب تفاصيل تضاريسك التي أقحمتني في التردد ، كنت سأموت في تلك الليلة كنت قد قررت أن أسلم هذه الروح المتسخة إلى الفأر الذي أخبرتك عنه ولكنني سلمتها لك.. بالمناسبة هو يحب الإختباء دائماً .. ثم يخرج فجأة من العتمة بشكل قبيح جداً بعد أن تعلفه الرطوبة والظلمة .. هو ليس مثيولوجي بل هو أفظع من ذلك .. أفظع مني ومن البؤس الذي يحيط بي ،ولكنني يجب أن أناديه دائماً بالسيد الموت المعتبر حتى لا أنقشع فجأه قبل أن أكمل لك هذه الرسالة وأوصلها إليك ، أنه يستطيع منعي عن إكمالها لذلك سأكون أكثر تهذيباً معه ، أنه دنيء جداً ..  أنه كذلك يا حلوتي..  وقبيح أيضا..  ولا أريد منك أن تريه ، لذلك يجب علي أن أسافر عنك إلى العتمة الأبدية .. إلى الخلاص ..
تعرفين أنني في إرتياح وإرتياب .. وهذان نقيضان اجتمعا في كرغبتي ورفضي لك ، خوفي وجرئتي أزاء جسدك ، ولكن الخوف يصير أحياناً لطيف إلى حد أنه ينسحب قبل أن تعانقي روحي بطريقتك الخاصة ثم بعد أن تفشلين مجدداً في تهذيبها يعود الخوف ليدير رأسي بيديه الكبيرتان تجاه ذلك الصليب الذي يتواثب مع قلبك .. فأسقط مُجداً في وحل الشعور بالذنب ، السخط والخوف .. هو لطيف يا حلوتي .. الخوف لطيف وخبيث وأنا أحترمه في بعض الأحيان..
حبيبتي كاتي ، سأناديك كاتي ولو أنه قرار متأخر جداً وانا عاجز عن تعديل أسمك في السطور السابقة إلا أنه قرار سريع وجميل وأتمنى أن يعجبك ،وإن كان جوابك لا فذلك لا يهم فأنا لا أعتقد بأنني سأكون حياً لأدرك رأيك بنفسي في هذا.. أنا متناقض جداً أعلم هذا .. متناقض وفاسد .. قررت أن أسجد الأن للآله ولكنني أعرف بأنني سأسجد لأنني أرغب بك ،شفتاي المزرقتان الممتلئتان بالموت سيهمسان باسم الآله ولكن عقلي يتذكرك .. يتذكر احتوائك لروحي ..أنا أحاول أن أكون مهذباً في أحرفي حتى لا تظنين بأنني كل ما أرغب به هو قبلة همسة أو لمسة أو معاشرة ، أنا لا أنكر بأن كل ماحدث معك لا يُنسى وبأنني أرغب في العودة إلى تلك الليلة ولكن دون ذلك الصليب الذي تسترينه بين نهديك ، أنه ليس قبيح يا حلوتي وأنا أخسأ أن أقول ذلك ، ولكنه مخيف ، مخيف جداً ، ولذلك أنا أحاول أن أكون محترما أمام الرب رغم أن هذه الروح الوسخة لا يمكنها أن تخشع ، أنا يا كاتي أنضج بالشبق كلما حاولت التضرع ، وأحاول أن أكف عن الذنب ولكنني أحبس أنفاس كلمات طلب الغفران في حلقومي ، حتى لا تنقشعي أنت .. موتك هو السبيل لنسيانك ولكنني لست مستعداً لذلك ، أود أن أُشُنق وأنا أتذكرك يا شهية .. على الأقل هذه الموته ستكون جميلة..
بالمُناسبة أنا لم أخبرك عن الذي حدث لقصصي التي كنت أكتبها سابقاً .. إن أخبرتك هل ستؤمنين بما سأقول لك ؟ هل ستصدقينني أم لا .. أعتقد بأنك ستبصقين على رسالتي تلك وتركلينني خارج رأسك – إن كنت أصلاً داخله- ، عموماً هذا لا يهم .. مايهم هو بأن تستمعي إلي ولك ماتريدين إن كنت تريدين أن تصدقي فصدقي وإن كنتي لا تريدين فلتلعني روحي الوسخة التي لن تبقى تتنفس طويلاً على هذه الأرض..
أنا مسخ .. أسلخ الجمال عن كل ماحولي دون قصد.. أحرقت خواطري بنفسي ولكن دون رغبة مني .. كانت تلك الخواطر المسكينة مسمومة برائحة فمي الكريهة ورذاذ لعابي الذي يشبه البنزين ، كانت محمومة بسبب حرارة عيناي التي كانت تتسكع فوق سطورها وهمساتي التي تشبه  أعواد الكبريت .. هكذا أحترقت خواطري ويومها أكتشفت بأن روحي وسخة جداً .. قبل أن أقتل والدي وقبل أن أعرف أيضاً بأنني مسخ .. رغم أن جورج ليس جميلاً على كل حال ولكنه على الأقل كان يشبع مازوخية روري التي كانت تشتري لي الدمى الرخيصة الجميلة تلك ..
أنا أخشى أن تمسخك شهواتي إلى خنزيراً أو كائن فضائي جلف .. أخشى أن أكون لعنة تهين جمالك .. فليلعنني الرب إن كنت سأقتلك أو أسلخك عن روحك السمراء تلك عن دون قصد .. دعيني أرحل الأن ولا تأخذي هذه الرسالة على محمل الجد تماماً خذيها بنصف جدية .. لأنني قد أتشبث بالحياة بعد أن ينسلخ الوسخ عن روحي ليختنق بالحبل .. وقد لا أعود لأنني قد أكون مخطئاً في تفسيري ، قد يكون جسدي الوسخ وليست روحي ، المهم بأنني قد أعود وإن عدت لاتفتحي الباب لأن هناك إحتمال بأنني ماأزال متسخاً ، وإن قررتي أن تهبيني روحكِ التي تصلبني أخشى أن يحدث الذي أدركت من خلال فتحك للباب بأنك لا تخشينه .. أن يمسخك جنون روحي بك .. وإن حدث ومسختكِ إلى خنزيراً مثلاً لن تكوني جذابة بعد ذلك ولا أظن بأنني سأكتب لك ولكن قد أستلطفك إن أنمسخت إلى كلباً لطيفاً صدقيني سأتبناك في ذلك الوقت لتحرسي روحي وتلعقيها لتنظفيها عن الأوساخ ..
دعيني أتوقف الأن قبل أن أمسخ هذه الرسالة إلى رماد كما فعلت في خواطري السابقة .. أتمنى أن تصل إليك هذه الحروف قبل أن تحترق..
الوداع يا حبيبة روحي المتسخة بالذنب..
سأرحل وقد تكون رحلتي تلك إلى أرض العودة..
هذه الرسالة من الكائن العشوائي الذي قد يكون حبيبتك : مارك.


قلم : وميض
Twitter:geneourla