Friday, August 25, 2017

متحف كيفين بول.


اللامشهد النهائي: فرز المغريات الذهبية الألمانية الأخيرة..
برفقٍ مُرفق بتفاصيل مشدوهة جائعة إلى بقعة صفراء تفتح فمها متثائبة في وسط هذا الخشب الأسود .. أقترب من النقطة الأخيرة ..
أنقب الظُلمة المحيطة .. وصوت الخشب ينقب روحي.. أتعثر بالفراغ فتتعثر في أناملي.. أسير على خط  شبه مُستقيم إلى مُنتصف اللامسرح ..
لم يكن هُنالك ستار يُفتح  ليؤطر حضوري في هذا اللامشهد النهائي ويجعله أهلاً لتصفيق شبح الجمهور الراقد مجدداً على مقاعد  تلونت بلون العقيق الذي يطلب النجدة من طغيان العتمة مجدداً أيضاً ..
أنني أنجو مِن بغض السواد الأن.. تلك الخربشات التي كانت تتعلق بقشة  هرباً من الغرق في الظلمة .. الخربشات التي كان صوتها يطرق كياني صار الأن بعيدة جداً .. وصارت هي مُهشمة مركولة في أحدى زوايه هذا الصخب اللامُتكلم .. غرقت وحدها .. نستطيع أن نقول بأنها صارت الأن جُزء لا يتجزأ من مملكة الصمت.. تعمل بدون صوت تحك الحوائط الطاغية إلى أن تتكسر أظافرها ثم تصرخ مِن دون صوت وتبكي بدون دموع وتنصهر دون دُخان..
ألتفت إليها ..
-          أقدم إليكِ خالص التعازي .. 
منحتها الظُلمة حق الرد.. فتوقفت عن النواح وقالت بصوتٍ دامي  :
-          أحترسي مِن فخ العُتمة الذي يولد بعد ذلك جمالاً يجذب إحساسك ثم يجنده بداخلك و يسلبه مِنك ليجعلكِ تحتضرين تضرعاً ورجاءاً.
(كُل كلمة تنطقها شفاه محتضره بالحزن والموت صادقة ولكنني لا أكترث)
في هذا اللامشهد
الظُلمة تكوي ملامح التمرد في روح تلك الحيوية التي تشكو من نقص الثرثرة المُكتسب..  تفتح جناحها الأسود لتضم به بقايا وميض منبعث من مساماتها ، فتتسلل إلى روحها فايروسات مشاغبة لتطفئها بشبق..
أستدير عن هذا كله لأحفظ في جيوب نفسي فوبيا نائمة فوق جناح اللبن الرائب.. لأعود حاملة أطراف فُستانِ - قصير أصلاً -إلى دائرة صفراء ماتزال قيد التثاؤب ولم تنام بعد..
دائرة أخيرة لا وتر لها ولا قُطر ..
دائرة قياس زواياها 360 ، هكذا علمنا الرياضيات.
لها نُقطة مركزية واحدة فقط .. هل هذا صحيح ؟ لا أدري .
وهذه النقظة المركزية هي ..
-          كرسي معدني  بلون رماد السيجار الذي أنتشرت رائحته في أركان رأسي – 
لحظة!
-          تباً للجمهور ، أنا أريد سيجار .. 
تحسست جيب فُستاني الأبيض لأجد  بأنه فارغ مِن المُتعة..
لهذا سأستنزف الطاقة المتبقية في رأسي هنا .. فوق خشبة المسرح  ثُم سأشحنها برقم مُضاعف ؛ بسجائر عددها 12
-          من هذا ؟
الكرسي الذي يطفو في فم الدائرة ليس وحيداً.. – أنا أعرف ذلك ولكنكم لا تعرفون - 
بل هو كرسي رمادي يحمل شاب ذهبي..
بخطٍ  أبيض عريض مشوه كُتب على قميصه الكُحلي أسم أعتقد بأنه ألماني أصيل - أنا لا احتاج وقتاً لقراءته لأنني اعرفه جيداً - 
كيفين.
أنني  جائعة إلى رمق تفاصيل فراشة أحرقتها حرارة الضوء الكسول.. – هذا مايجب أن أشعر به لأن هذا اللامسرح يصلب تفاصيل شعورك وينحت خيوط وجهك لتبرز كما يرغبون بالضبط للجمهور حتى يقتنعوا - لا أعرف ماهية الشيء الذي يجب أن يقتنعوا به ولكن هذا فرض هنا ، طالما قررت أن تسير كأليس في اللامسرح فيجب أن تُبالغ في مرضك بهذا المكان، في إنسحاق جسدك وظلك إلى هذا الخشب الذي تسير فوقه .. وتتظاهر بأنك جائع إلى فراشة تهابها .
فراشة لم تسقط سهواً على كتف هذا الشاب الأبيض..
فراشة شفافة تحولت إلى اللون الكُحلي في أقل من نصف دقيقة..
وبعد..
في تلك التفاصيل القليلة التي وقعت بغته بعد ذلك - وهذا ليس في الحسبان -
حينما قرر فجأه الإهتمام .. حينما أدار وجهه إلى يساره قليلاً ، حينما سطى الضوء كالعربيد المُمتلئ بالخطايا على رموشه الصفراء ليحولها إلى خيوطٍ  من ذهب عتيق.. حينما يسقط في كل مرة يعبر بها وهو مُستسلماً  ثملاً في قعر قزحيته الفيروزيه المُحتاله البيداء ليعود مُجدداً إلى نقطة البداية ثم يسقط مُجدداً.. حينما تشبثت ملامحه البيضاء الحزينة بالفتنة .. حينما نظر إلى أطراف جناحيها التي ماتزال تتمسك بالحياه بربع إهتمام .. حينما مط شفتيه بشكلٍ لا ملحوظ  لكم ليحاول التصالح مع عزاء ذاته ودوره .. يحاول أن يعرض على السواد القابع في نفسه صفقة الإيجابية.. لم يُحركها .. لم ينفخ عليها لتطير في الأرجاء الغير مُفصلة ..  فقط  تركها تحفر قبرها على كتفه .. تركها تتخشب ثُم عاد لينظر إلى الفراغ الفارغ .. إلى نُقطة لا يُمكن أن تحتويها دائرة أو يبتلعها مثلث برمودا ..
هو لم يُبالي بها..
كُل تلك التفاصيل التي حدثت في وقتٍ لن أبالغ في الحذف منه ، أعتقد بأنه دقيقة واحدة تقريباً .. سقطتُ من عقلي.. ووقعتُ من وعاء روحي وقلبي.. أُعجِبت به حقاً ..
لم يرفع رأسه حينما أحترقت ..
كُل تلك التفاصيل أظن بأنها مكتوبة .. الضوء مزود بأشعة قاتله للحشرات ..نعم أعتقد بأنني أذكر ..
فقد رأيتها قبل ذلك ولكن مايحدث الأن مُريب .. 
هي الأن تتحول إلى بكتيريا لتهشم مناعة ذاكرتي بكُل إحترافية..
وكأنني لم أقرأها من قبل ..
تُسقطني تلك العصوية مِني وأعود حاملة اللاشيء بين كفين أنخرط لونهما إلى العدم..
كفين سرقت لونهما بكتيريا عصوية..
صدقني .. 
كان هناك شيء مُختلف عن كُل تلك البروفات الرتيبة ، شيء لا أستطيع  فرزه .. أو ربما امتنعت في تلك اللحظة عن المُبالغة والتضخيم لأرى الواقع بصفاء ..
فقد كان أشد جمالاً وجاذبية .. كان يفرز فتنتة بطريقة تشلُ أركاني التي أعتادت هذا اللامسرح  الممل ، تفاصيله كانت تقتل كُل حشرة تمنع تطير في أفقي..
أنا لم أثمل..
أنا نسيتُ كُل شيء الأن..
نسيتُ كل تلك الحروف التي تراصت في الورق الأبيض ..
مالذي يجب أن يحصل بعد لعبة الظلام تلك..
الحروف التي دونتها في صفحات عقلي..
أكلتها الطُفيليات والأرامل السوداء..
لذلك بقيت أتسائل ..
هل كان عدم مبالاته  بتلك الفراشة  دور مكتوب أم أنه كان يجدر به الإهتمام  وعدم العودة للإنغماس في العدم ..؟
أعرف بأن الفراشة لابد أن تحترق ولكن ماذا عن ردة فعله هو؟
فقد كان كالمُنكسر- الفاتن - ..
 المُتقاعد – اللذيذ- 
 الثمل بالحُزن - على ما أعتقد-  ولكنني متأكدة من أن تفاصيل الثمالة تليق به جداً سواء كانت مكتوبة أم لم تُكتب في النص ..
 تفاصيل تغري النسر للسقوط من السماء في عملية إنتحارية .. 
قررتُ أن أرتجل فجأة .. أن أنقض ككوبرا على هذا المشهد وأروضه في مصلحه سد جوعي تجاه تلك الملامح الألمانية العريقة..
لذلك أقتربتُ جداً جداً جداً ..
حتى صارت أرنبة أنفه تلامس بطني المُسطح ..
كان يجلسُ مُرتخياً مُشرعاً ساعديه للعزاء الذي يلوح في الأفق المُعتمة ..
وكان العربيد مايزال يفتري على رموشه الصفراء..
المجد للون الأصفر.
كان ما يزال يتخلل صلابتها واتحادها ليسقط في شر أعماله ؛ في جهنم الفيروزية  التي لن تتحول أبداً إلى الذهبية ..
حينما يسقط  تضيقُ الحدقه قليلاً  ثُم تعود إلى سابق عهدها بعد أن يجتمع شمل الرموش الفاخرة مجدداً..
هل تسأل أيها القارئ عن مكاني وسط كل هذه اللعبة الجدية الشاعرية الأن ..
أنا هُنا .. أنظر إلي أنني ألوح لك .. لا تُصفق فقط  ترقب أقترابي من أنفاس الجنة الألمانية ولا تتلصص على التضرع  الذي  تحدثت عنه خربشاتي وصدقت ، فقد كان طفلاً وديع وفجأة بعد بلوغ سحرٍ ما لونه أصفر إلى مساماتي التي كانت مُعرضة للهواء ، انسلخ فجأة إلى عملاقٍ أهوج حطم كُل عملياتي الحيوية لأراه  يغزو عروقي في طريقه إلى رأسي..
الجمهور لا يُصفق..
ولا تُصفق أنت أبداً..
قدمي السمراء لم تعد تحتمل..
-          تريدين سيجار؟
رفع رأسه ونظر إلى عيني لمدة ثانيتين ثُم عاد إلى العدم..
ذلك الصوت الذي باغتني فجأة وكأن عقلي يفرزه لأول مرة ..صوته الذي كان شيء أشبه بالموت الذي يُداهم المناعة المُتهالكة المُستسلمة..
-          قٌلها مُجدداً.
إبتسامة خفيفة صهرت روحي..
أعتقد بأنه علم بأنني أقحمت إحساسي ولأول مرة هُنا في اللامشهد الأخير لأصبه كالعسل فوق  تفاصيله..
أنني أشعر بالحرارة تفتح مساماتي وتُذيب هذا الجلد على العظام الدقيقة..
رأسي الذي يُغطيه شعر قصير أسود صار يجهل التمنع .. وصارت لا تُغطي جنونه تلك الخصلات السميكة المجعده ..
أنني أنحني بِكُل شغف.. وشعري يُداعب وجنتي وجبيني..
-          ماذا تفعلين ، هذا ليس في النص..
مُخرج اللامسرحية يعاتبني مِن مكانٍ ما هُنا في وسط هذه الرُقعة ..
أجبته ..
-          لا أكترث..
تشبثت أصابعي الجائعة بوجنتيه ..
أنغرست شفتي بين خُصلات شعره..
عانقت فروة رأسه..
قبلتها بكُل ما أوتيت مِن موت.. 
يصعبُ على البالغ العاقل أن يسد حواسه عن الفتنة .. 
يصعبُ أن لا يقدم روحه قرباناً لتفاصيلها..
حينما يذبح تعقله رغبة في إحتساء كأس الجمال..
لا يُمكنني أن لا أنصهر في كيفين..
هذه اللامسرحية التي تتحدث عن متحف من شمع يضم كل جميلٍ مِن أسبانيا وفرنسا وتركيا وألمانيا ..
لم يمنحني حقي في التضرع إلا هذا الشاب الذي كسر ساق التمهل ..
وخطف مِن فؤادي قُبلة وهمسة ولمسة..
أستدرت بأتجاه شبح الجمهور ثم تقدمت خطوة في هذا الفم المتثائب المُترقب وقلت لهم ..
-          هنا اللامسرح .. هنا المهزلة الجمالية .. فأنا لا أتذكر شيء الأن سوى  الشغف الذي طرق رأس الغابة الخمرية  في كياني فجأة لتحتفل بهذا الشغب الألماني .. أنه متحف كيفين بول ولا أحد سواه.. 
أنغلقت ستائر روحي ..
أنغلقت أحلامي الباردة  لأحظى بكابوسٍ دافئ قصف جسدي الجامد  ليحولني إلى كيانٍ رخو يتمايل بين أحضانٍ تحررت من قيودها فجأه ..
خلف ستار الروح..
ماتت قوانين المنع والخضوع  للأدوار والخشبة السوادء ..
وتزوجت الشفاه من الشفاه..
ثم صفق شبح الجمهور من وراء الستار المغلق وغادر..
# وميض
تويتر : geneourla

 

No comments:

Post a Comment