Monday, September 8, 2014

مدينة السيجار !

في تلك المدينة !
تتوقفُ الأنامل لتبتاع عّلب السيجار من هذا البائع البائس بكثرة !
في تلك المدينة !
أقف أنا خلف النافذه لأشاهد تلك العملية المعقدة التي يُمارسها الجميع بإلتياع !
في تلك المدينة !
أحاول الوصول إلى هذا النوع من الاحتراف الأبدي الذي وصل إليه أهلها، فَأمسكُ بالسيجار الوهمي بين أناملي وأسحب دخان اللاشيء منه ثمَ أنفثه وكأنه حقيقة !
- هذه المدينة غير صالحة للعيش يا أبنتي !
والدي العجوز يُردد هذه الجملةَ دائماً بطريقة جنونية ، هو يكره السيجار رغّم أنه مدخن شره ولكنه لا ًيدخن أمامي أبداً !
وأنا أعرف سبب تلك الكلمات التي تخرج من فم والدي دائماً ، هو لا يريد مني أن أدخن ، رغم علمه أنني أعشق رؤية هذه المدينة دائماً ، وخاصة في أثناء الليل !
لأنك في ليل تلك المدينة !
لن تجد سوى الظّلمة والدخان !
 لن تجد سوى عاشقين يتبادلون السيجار !
 لن تجد سوى عاشق يقدم إلى حبيبته خاتم ومعه علبة سيجار من النوع الفاخر !
وإن كنتَ تقف في مكان عالي جداً مثلي يسمحُ لك برؤية مايحدث في الأزقه ستجد من يقتل صاحبه من أجل ذلك الكنز الصغير !
 وستجد شرطي يغتصب القاصرات ثم يناولهن السيجار ليسكتهن !
وستجد من يهدد الطبيب الذي قتل صديقة بفضح أمره إن لم يعطيه تلك العلبة التي يضعها في جيبه !
وإن كنت في منازلهم ستجد الزوجة تقتل زوجها بَ سم الفئران من أجل تلك العلبة وحينما تقتله تُدخن العلبة كاملةً  ثم تنتحر مبتسمه !
 وستجد الطفل يتسلل ليلاً  إلى غرفة والده لكي يلتقط سيجار من جيب معطفه وإن كشف والده أمره أضرم النار فيه وأدعى أنه أحترق بسبب الفرن !
وعلى رصيف الشارع ستجد بائع السيجار يبكي بحرقة ، لأنه لايملكُ المال لشراء السيجار  !
هو مُجرد بائع عجوز بائس يعمل لصالح رجل السيجار العظيم الذي يرمي عليه فتات الخبز لكي يأكله ويعيش !
هو يجلسُ الأن مثلي ليراقب العاشقين ويتذكر زوجته المصابة بالسرطان التي حّلمت طوال حياتها بسيجار واحد على الأقل ، نعم فالسيجار غالٍ جداً هنا ولا يصلحُ للفقراء !
لذلك تجد أبناء الأزقه يتقاتلون عليه ، كما أنه لا يصلح لي لأن والدي قرر ذلك بدلاً عني !
وحينما أسأله عن سبب تدخينه يقول : من يعيش في هذه المدينة لابد أن يكون مجنون وسفاح ولابد أن يشرب السيجار ولابد أن يقتل ويغتصب ويهدد من أجلها ! 
-لماذا ؟
- إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب وإن لم تغتصب حقوق الأخرين سَيُغتصب حقك وإن لم تَسرق سيسرقونك وإن لم تقتل سيقتلونك !
- من أجل ماذا ؟
- من أجل السيجار يا أبنتي.
اااه كم أشتهيتُ دخان ذلك السيجار الذي يتقاتل الجميع من أجله ، كم أشتهيت أن أخرج ذلك الدخان من أنفي كما يفعل البعض هنا !
ما أجمل تلك المدينة التي تجد بها وجوه عابره .. تهدي وتتبادل السيجار ووجوه أخرى خلف القضبان تتمنى أن يصل ذلك الدخان الأسود إلى أنفها !
- أبي لقد كبرت ومن حقي أن أختار حياتي كما أخترت حياتك !
- في هذه المدينة لا يحق للأبناء الأختيار !
- لماذا ؟
- لأنهم لن يختاروا سوى السيجار ! 
- أبي أرجوك
ولكن الرجاء لا يجدي نفعاً ! لذلك توقفت عن الإلحاح وبدأت في مراقبة المدينة من خلال النافذة بصمت ، لأن المراقبة تهدي إلي فيلم سينمائي عن مدينة طالما حلمت أن  أسير في شوارعها وأتحدث إلى أهلها وأشرب من سيجارها !

هي مدينةُ الجنون !
هي مدينةُ السيجار !

قلم : وَميضْ
تويتر : geneourla

No comments:

Post a Comment