Saturday, December 2, 2017

التي كانت عاريةٌ من الكون.



في جوفُ الظلام الذي كان يمضغ القمر على مهلُ ، تحت خيوط مِن دُخان سيجاري الفاتر المُنبعث نحو السِجاد العلوي المخملي الأزرق وسيلٌ من النبيذ الذي  كان ينسكب منه الكثير دون حذر أو ندمٍ مني مُخلفاً بركةٌ قرمزية حالكة على جسد هذا الشارع وتعكسُ ضوء أخضر أنبعث مِن جوف قمر يشعرُ بغثيانٍ أهوج يُمزق كبده ،انتابني شعور بأنه يعتقد مِن منظري المُزري هذا بأنني مُجرد يعسوبٌ ليليٌ مُشردٌ عابثٌ يلعق ساعات الظلام الطويلة بحثاً عن نكهة مومس في الأرجاء وخلف النُفايات البشرية المركونة في الأزقة، ولكنني رُغم كوني لستُ كذلك .. رأيتها هناك تتلوى في مكانٍ ما في هذا الشارعُ المُصاب بصديد في  البنية التحتية ، الذي يأبه الكلام بسبب الألم : الشارع الذي كانت درجةُ حرارتة مرتفعة بسبب تِلك الأضواء المُنبعثه مِن مصابيح يتيمة مُتفرقة يميناً وشمالاً بطريقة غير مُنظمة  ، كانت تُغني وتترصد العربات .. كانت تقتربُ ومع ذلك النصف إقبال تتثاقل أصابعي مسأله الاحتفاظ بما تبقى من قنينة النبيذ الزجاجية، كُنت أريد حقاً أن أسقطها لتتحطم نخب هذا الاقتراب الفذ أما عن سيجاري فحينما فحصت رحمه وجدته أحترق كُلياً لن يُنجب مزيد مِن اللذة ، لذلك أسقطتُ كُل شيء غير مُبالي بمرض الشارع أو ازدياد حرارته ..
اسقطته مُنتظراً أقبال هذا القبول ذو المُنحنيات الصاخبة –العارية  تماماً- السوداء على فؤادي العطش للحضور.
-     مرحباً ، هل تنتظرُ أحداً؟
 * أملت وجهي نحو اليمين قليلاً مُكشراً عن ابتسامتة طمست بياضها حشرات هذا الليل السوداء .. وعين تتفحص كُل تلك المكونات المكشوفة *قائلاً : رُبما .. أنتِ.
-     * وضعت أصابعها السمراء النحيلة على طرف شفاهها السوداء لتدعي بأنها تخفي ضحكة تعكس ضوء النجوم * :هههههه .. أنت دائماً هكذا ، بارعٌ في خلق الإجابات.
-     أنا لسُت بارع بقدر براعتك في التجرأ على هذا العالم الذي يُقدس القماش.. أنا فقط المنتظر في وسط الحُلكة أو تستطيعين أن تُناديني بالمتعقب الليلي.
-     ههههههه أنت بالتأكيد لستِ ريتشارد راميريز ..
-     * أتسعت عيناي ، تلألأت مقلتاي وسكنت نفسي * ثم قلت :  بل أنا الذي  كرس مُعظم السنواتٍ من حياته لدراسة حالة راميريز النفسية مِن خلال المقابلات التي أجراها ..
-     * قالت وتجاعيد التعجب تغزو بشرتها * يا ألهي ألم أقل لك بأنك جاهز للرد دائماً.
-     * بعفوية متحمسة قلت :لا تضيعين الوقت ، أنتِ جئت في الزمن المناسب ، هل تذكرين حينما قال " جميعنا أشرارٌ بطريقة ما أليس كذلك ؟
-     * ابتسمت إبتسامة إمتنان لهدوئها في وسط هذه اللكنة الحماسية * ثم قالت: وأذكر أيضاً حينما قال لقد تخليت عن الحب والسعادة منذ زمنٍ طويل.
-     نعم أتذكر هذا..
-     أنا مثله تماماً  .
-     *أطلت النظر في تلك العيون الخاوية التي تدعي التخلي * ثم قلت : إن كنت قد تخليتِ عن الحب فعن ماذا تبحثين ؟عن القتلِ  أم القاتل الخبير في الأجساد العارية.
-     لا هذا ولا ذاك ولكن لا بأس فما يفعله السفاحون هو ما تفعله الحكومات. كما قال راميريز
-     مُنذ متى وأنت تعرفين راميريز ..
-     مُنذ خمسة سنوات قابلته على شاشة التلفاز.. كان يرتدي لباس السجون ويتحدثُ بحِكمة وبعض من التحفظ..
-     أنا عرفته مُنذ تاريخ ٢٦ يونيو ٢٠١٤
-     ماذا تقصد؟
-     * ضحكت ساخراً* لم تجتازي هذا السؤآل ..لابأس.. هذا في اليوم العالمي لِمكافحة المُخدرات.
-     * قطبت حاجبيها *قائلة : كيف؟!
-     المُحاضرة كانت مجانية والمحاضر كان سمين وثِرثار بشكل لا يُصدق ، كان يتكلم عن كُل ضحايا المُخدرات ثم ينحني عن المسار الجاد إلى طريق البرغر ثم يعود ويتكلم بكل صرامة عن خطرها في حد الإنسان على ارتكاب الكبائر .. كان راميريز هو أحدهم .. فحين كشف المحققون سجله بعد أن تم التعرف على أنه هو المتعقب الليلي كان مدان  سابقاً بحيازته للمخدرات والسرقة، ثرثر عنه المحاضر كثيراً ولكن ثرثرته هذه أطلعتني على هذا الكيان الليلي الذي انغمست في قراءة سيرته وتعقب أساليبه والانخراط في لغته الحركية والبصرية من خلال مقابلاته النادرة على صفحة اليوتيوب.
-     حقاً.
-     نعم أيتها العارية ، هذا صحيح.
-     * حدقت في عيني بأحتراف وكأنها تغوص هُناك ثُم أستدارت نحو أحد الأضواء اليتامى قائلة *: أنا مُنذ زمنِ طويل قررتُ أن أكون عارية مُن الكون .
-     * زممت شفتي مُستغرباً * ثم قلت : ماذا تقصدين؟
-     * تنهدت تنهيده الموت ثم قالت بجدية حادة*: لا أريد الإنغماس في التفسير ولكن وجهتي التالية هي : رسام يرسمني عاريةٌ مِن الكون هاوية إلى جهنم الفراغ ، يُدنس المدارس الفنية ويخلقُ مِن جسدي مدرسة فنية جديدة.
-     * فتحت فمي مُستنكراً الصدف * ثم قلت : اتيتِ في موعدكِ اذاً ألم أخبرك بأنني كُنت أنتظرك.
-     * اتسعت عيناها متعجبة* هل أنت رسام؟
-  *هرشت مؤخرة رأسي * قائلاً : ومتواضعٌ جداً تابعٌ للمدرسة التعبيرية ، أمقتُ الواقعية ولكن إن أردتِ بورتريه بدائي بسيط فسأطمس مبادئي الفنية لساعات وسأصنع مِن كيانك جهنماً عار أسمر .
-     أفعلها مِن أجلي.
-     * تنهدت قائلاً *ولكن.. ماذا عن راميريز ، أنكِ حرضتني على الشروع مرة أخرى في الأدمان على تعاطي تلك المُخدرات الكلامية والتفصيلية التي كان يدعيها على مسمع من القاضي والمُذيع. أريد مِنك أن تنبشي عن كومة كُل تلك المعلومات التي حفظتها عن ظهر قلب والتي تخص حياته.
-     * ابتسمت ابتسامة ترحيب في المعاناة والرغبة في إصلاح شؤونها *قائلة : كيف تريد مني أن أساعدك لِتساعدني؟
-     بحماس مُفرط : أسأليني عنه؟
-     حسناً فلنبدأ الأن ..السؤال الأول :كيف مات راميريز؟
-     بسرطان في الغدد اللمفاوية.
-     السؤال الثاني :ماهو تاريخ وفاته؟
-     ٦ يوليو ٢٠١٣
-     السؤال الثالث : كم عدد جرائم القتل فقط التي أرتكبها؟
-     ١٣ جريمة قتل.
-     السؤآل الرابع : من الذي كان يُحبه بشغف ويرعاه رُغم تشرده وتعاطيه المُخدرات؟
-     أخته روث.
-     أنت عجيب... السؤال الخامس :مالذي كان مرسوماً على يديه في جلسه المحاكمة؟
-     نجمة الشيطان.
السؤال السادس : ماذا كان يُحب؟
-     الشيطان أولاً ثم التنوع في الأهداف ثانياً ، ليس له هدفاً واحداً في القتل أو الإغتصاب ، كان يُقيد الضحايا من كبار السن والصغار ويُعذبهم ، كانت له أسنانٌ مقززه بارزه حفظها كٌل ناجٍ منه ولم ينسى أحد منهم أن يُخبر الرسام الجنائي بذلك.
-     * صفقت قائلة برافو .. لقد أجتزت أمتحان راميريز يا ....
-     ريتشارد.
-     * بنبرة خائفة* هل هذا هو أسمك حقاً؟
-     نعم وهذه صدفة أقدسها يا ....
-     * ازاحت الخوف عن تفاصيلها  * قائلة :نادني بالعارية يا سيدي اللذيذ ريتشارد.
-     شُكراً للطفك ، تعالي إلى مرسمي.
-     أرجو أن يكون عنوان اللوحة " العارية مِن الكون"
-     لكِ ذلك.


قلم : وميض
لوحة : وميض

تويتر : geneourla

No comments:

Post a Comment